×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

ثمَّ إنَّ جارَك ائْتَمَنك وجاورَك، فلا يصدُرُ منك في حقِّه أذَى لا بالقَولِ ولا بالفِعْل، والقولُ أشدُّ وأنْكَى، فإنَّك لو أعْطَيْتَ جارَك أو غيرَه مالاً كثيرًا ولكنَّك تكلَّمْتَ في حقِّه بكلمةٍ سيِّئة، فإنَّ هذه الكلمةَ السَّيِّئةَ تَجْرَحُه، ولو أعطيتَه ما أعطيتَه من المال، أمَّا الكلمةُ الطَّيبةُ فإنَّها تُؤثِّرُ فيه خَيرًا ومَحبَّةً لك، لو ما أعْطَيْتَه مالاً، فالكَلامُ الطَّيِّبُ له تأثيرٌ وله فائدة، أكثرُ من تأثيرِ المال: وقوله: «فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» يَشْمَلُ الإكرامَ بالقَوْل، وهذا هو الأسهلُ والأنفَعُ، أنْ تقولَ له الكلامَ الطَّيِّب، وتُسلِّمَ عليه، وتَرُدَّ عليه سلامَه إذا سلَّم عليك.. وهكذا، ويَشمَل الإكرامَ بالفِعْل بأنْ تهديَ إليه، وتتصدَّقَ عليه إذا كان مُحتاجًا، وتَقضِيَ حوائجَه إذا كان عاجِزًا، وتغُضَّ بَصرَك عن عَوْراتِه، وعن الاطِّلاعِ على أسرارِه، وأيضًا تُمسِكَ سَمعَك عن التَّجسُّسِ عليه، ولا تُلقِي الأذَى عند بابِه أو في طريقِه، وتكُفَّ أولادَك عن أذيَّةِ أولادِه.. وهكذا.

وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»([1]) ذلِك لِعظَمِ حقِّ الجار، فالجِوارُ له أحكامٌ وأهميَّة بينَ النَّاس، وإذا كان إكرامُ الجَار من كَمالِ الإيمان، فإنَّ في أذيَّةِ الجارِ نَقصًا للإيمان.

ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»، والضَّيْف: هو الَّذي يَنزِلُ بك، وإكرام الضَّيفِ يَجِبُ في القُرَى والبَوَادي الَّتي ليسَ فيها مَطَاعم، وليسَ فيها محِلاَّت تَبيعُ الأكلَ والشُّرْب، وليسَ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6014)، ومسلم رقم (2624).