×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 وهو وَصيَّةٌ لابنِ عبَّاسٍ وغيرِه أنَّه يُؤمِنُ بالقَضاءِ والقدرِ، فإذا آمَنَ العبدُ بالقضاءِ والقدرِ فإنَّه يَستَغْني باللهِ عَن سُؤالِ النَّاسِ، وعنِ الاستعانَةِ بالنَّاسِ في الغالبِ.

وفي الرِّوايةِ الثَّانيةِ قال صلى الله عليه وسلم: «تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» أي: كُن قريبًا منَ اللهِ في جميعِ أحوالِك، في حالِ رَخائِك وعدمِ حاجَتِك، لا تَلتَفِتْ عنِ اللهِ جل وعلا، كُنْ قريبًا منَ الله بطاعَتِه وتَركِ مَعصيَتِه، قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6- 7]، فإذا استَغْنى الإنسانُ نَسِيَ اللهَ عز وجل وظنَّ أنَّه ليسَ بحاجَةٍ إلى اللهِ، فإذا مَرِضَ لجأَ إلى اللهِ، وإذا صحَّ وشُفِيَ نَسِيَ اللهَ عز وجل، فهذه حالةٌ سيِّئةٌ تدُلُّ على ضَعفِ الإيمانِ.

فقَوْلُه: «يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» يعني: إذا وَقعَتْ في خَطرٍ وفي شِدَّةٍ وأنتَ مُطيعٌ للهِ في حالةِ الرَّخاءِ، فإنَّ اللهَ يُنقِذُك بأعمالِك الصَّالحَةِ، مِثلُ حديثِ أصحابِ الصَّخرةِ([1]) الَّذين انطَبقَتْ عليهِم الصَّخرةُ في الغارِ، ولم يستَطِيعوا الخُروجَ، لمَّا كانتْ لهم أعمالٌ صالحَةٌ سابقَةٌ فرَّجَ اللهُ عنهُم، فهذا تَوسَّلَ إلى اللهِ ببِرِّه بوَالِدَيْه، وهذا توسَّلَ إلى اللهِ جل وعلا بتَرْكِه الزِّنا خَوفًا منَ اللهِ، وهذا توسَّلَ إلى اللهِ بأمانَتِه وحِفظِه لأُجْرَةِ الأجيرِ الَّذي تركَ أجْرَتَه عندَه وذَهبَ، حَفِظَها له ونمَّاها، فلمَّا جاءَ أعطاهُ إيَّاهُ، ففرَّجَ اللهُ عنهُم.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (2215)، ومسلم رقم (2743).