واللهُ جل وعلا
يقولُ عن أصحابِ الجنَّةِ: ﴿إِنَّهُمْ
كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ أي في الدُّنيا ﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ
رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلاً مِنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ *وَفِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 16- 19]، قبلَ ذلكَ وهم في
الدُّنيا، وقالَ اللهُ جل وعلا في يُونُسَ عليه السلام صاحبِ الحُوتِ: ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ
مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴾ [الصافات: 143]، يعني: كان منَ
المُصلِّين في حالةِ الرَّخاءِ، ﴿لَلَبِثَ
فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 144]، أنجاهُ اللهُ
بسَببِ أعمالِه الصَّالحةِ الَّتي أسبَقَها، فالمسلمُ يَعرِفُ اللهَ جل وعلا في
الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، أمَّا الكافرُ فلا يَعرِفُ اللهَ إلاَّ في حالةِ
الشِّدَّةِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذَا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا
نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾ [الإسراء: 67]، إذا وقعَ
الكُفَّارُ في الخطرِ أخلَصُوا الدُّعاءَ للهِ عز وجل، أمَّا المُؤمنُ فهو يَعرِفُ
اللهَ في كلِّ الأحوالِ، في حالِ رَخائِه وفي حالِ شِدَّتِه.
قالَ صلى الله عليه
وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ» الإنسانُ يُبتَلى في هذه
الحياةِ، فتُعرضُ له آلامٌ ومشاقٌّ ومكارهُ، لكن عليه بالصَّبرِ؛ لأنَّ الشَّدائدَ
تَزولُ ولا تَدومُ، فيُقابِلُ الشَّدائدَ بالصَّبرِ عليها حتَّى يُزيلَها اللهُ
عنه، ولا يَجزعُ ولا يَسخطُ، أمَّا إذا جَزِعَ الإنسانُ وسَخِطَ فإنَّ الله
يَخذُلُه.
قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ» كلَّما اشتدَّ الكَربُ تطلَّعَ إلى الفَرَجِ، ذلك أنَّ فرَجَ اللهِ قريبٌ، واللهُ جل وعلا يقولُ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5- 6]، وقالَ: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، فإذا اشتدَّ الأمْرُ فاعلمْ أنَّ