ثمَّ قال صلى الله
عليه وسلم: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو» الغُدوُّ: هوَ الذِّهابُ صَباحًا منَ
البُيوتِ، فالنَّاسُ يَخرجون منَ البُيوتِ أوَّلَ النَّهارِ، أين يَذهبون؟
يَذهَبون إلى أعمالِهم، إمَّا بَيعًا، وإمَّا شِراءً، وإمَّا وَظيفةً، ليسَ هُناك
أحَدٌ يَجلِسُ في البَيتِ إلاَّ مريضٌ أو النِّساءُ، أمَّا الرَّجلُ فإنَّه يَخرجُ
ولا يَبقى في البَيتِ إلاَّ إذا صارَ مريضًا أو هَرِمًا.
وخروجُ العبدِ من
بَيْتِه إمَّا أن يُوقِعَه في الشَّرِّ، وإمَّا أنْ يُوقِعَه في الخَيرِ، فإن
ذهَبَ إلى طلَبِ العِلمِ وإلى فِعلِ الطَّاعاتِ فإنَّه يَكْسَبُ خَيرًا، وإن ذهَبَ
إلى المعاصي والسَّيِّئاتِ والشُّرورِ والفِتنِ فإنَّه يَكْسِبُ شرًّا، فهوَ
بِغدوُّهِ وذِهابِه من بَيتِه إمَّا أنْ يَذهَبَ إلى خَيرٍ، وإمَّا أنْ يذهَبَ إلى
شرٍّ.
قالَ: «فَبَايِعٌ
نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» فمِنَ النَّاسِ مَن يُوفِّقُه اللهُ
فيَعتِقُ نَفْسَه بالاستِغفارِ والتَّوبةِ والرُّجوعِ إلى اللهِ والنَّدمِ، ومنْهم
من يَرْكَنُ إلى المعاصي والشُّرورِ والفِتنِ فيُوبِقُ نَفْسَه، أي: يُهْلِكُها،
فالإنسانُ في خُروجِه في الصَّباحِ إلى أعمالِه لا يَخْلُو من أحَدِ أمْريْنِ:
إمَّا أنْ يُعتِقَ نَفْسَه، وإمَّا أنْ يُوبِقَها. فعَلَى المسلمِ أن يَتذكَّرَ
هذا، وأنْ يحتفظ في خُروجِه وذِهابِه، فيَحفَظُ سَمعَه وبَصرَه وجَوارِحَه،
ليَكونَ ممَّن أعتَقَ نَفْسَه، أمَّا إذا لم يَحْفَظْ هذه الجَوارحَ وهذه الأعضاءَ
فإنَّه يكونُ ممَّن أَوْبَقَ نَفْسَه، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ.
فهذا حديثٌ جامِعٌ
لخِصالِ الخَيرِ، ومُحذِّرٌ من خِصالِ الشَّرِّ، وهو مَنهجٌ عظيمٌ للمُسلمِ يَسيرُ
عليه في حياتِه، ويُفكِّرُ في نَجاتِه، والحمدُ للهِ