×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

فالمَخلوقُ الَّذي يُنفِقُ يَنقَصُ مالَه ويَنقُصُ ما عِندَه، أمَّا اللهُ جل وعلا فإنَّه يُنفِقُ على جَميعِ الخلقِ، ولا يَنقُصُ ذلكَ مِن خَزائِنِه شَيئًا؛ لأنَّه سُبحانه غنيٌّ الغِنَى المُطلَقُ، «فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ» على كَثرةِ السَّائلينَ: الإنسِ والجنِّ والأوَّلينَ والآخِرينَ، وكلُّ واحدٍ له مَسألةٌ خاصَّةٌ، وقدْ أعطاهُ اللهُ مَسألَتَه، فإنَّ هذا لا يَنقُصُ من خَزائِنِ اللهِ سبحانه وتعالى، هذا يدُلُّ على غِناهُ وكرَمِه وجُودِه سبحانه وتعالى، فكلُّ المَخلوقاتِ تَتعيَّشُ مِن رِزْقِ اللهِ عز وجل، ولا يَنقُصُ ما عنده سبحانه وتعالى.

قالَ: «قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ» أي في مكانٍ واحِدٍ «فَسَأَلُونِي» طَلبوا منَ اللهِ حوائِجَهم المُختلفةَ، فأَعْطَى كلَّ إنسانٍ مَسألتَه، لم يُؤثِّرْ ذلك على ما عِندَ اللهِ بالنَّقصِ، هذا يَدُلُّ على كمالِ غِناهُ سبحانه وتعالى.

ثمَّ قالَ في خِتامِ هذه الكلماتِ العَظيمةِ: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا» أي: ليسَ لكم إلاَّ أعمالُكم، «إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ» الَّتي تَعملُونها من خَيرٍ أو شَرٍّ، فاللهُ جل وعلا لا يُعذِّبُ أحدًا على غَيرِ عَمَلِه أبدًا، فلا يُنعِّمُ اللهُ الكافِرَ ويُعذِّبُ المُؤمنَ، هذا لا يَليقُ به سُبحانه، بل يَضَعُ الأموَر في مَواضِعِها، يُعذِّبُ الكافِرَ، ويُنعِّمُ المؤمنَ، فَضلاً منهُ وإحسانًا وعَدْلاً وكَرمًا منهُ سبحانه وتعالى، «إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ».

فهذا دَليلٌ على أنَّ الجَزاءَ إنَّما يكونُ على العَملِ لا بالنَّسبِ ولا بالجَاهِ ولا بالحَسبِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، فليسَ هُناك مَجالٌ تُنالُ به رَحمةُ اللهِ إلاَّ العَملَ الَّذي تَعْمَلُه، ولا تُعذَّبُ إلاَّ على عَمَلِك، قال تعالى: ﴿وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا


الشرح