كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس: 54]، فعَليك أنْ تَهتَمَّ بعَمَلِك؛ لأنَّه مَناطُ
سَعادَتِك أو شَقاوَتِك.
قالَ: «أُحْصِيهَا
لَكُمْ» وهذا مِن فَضْلِه سُبحانه وأنَّه يُحْصي الأعمالَ، بعَمَلِها جل وعلا،
ويَكْتُبُها بوَاسِطةِ الحَفظَةِ المَلائكةِ الَّذين يَكتبُون أعمالَ بَني آدمَ،
وهذه العِنايَةُ منه بأعمالِ بَني آدمَ دليلٌ على فَضْلِه ورَحْمَتِه بهم، وإلاَّ
فهو ليسَ بحاجَةٍ إلى أعمالِهم، وإنَّما هم المُحتاجُون ومعَ هذا فاللهُ يُحْصِيها
ولا يُضَيِّعُها، قال تعالى: ﴿إِنَّا
لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [الكهف: 30]، قال: ﴿وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 56]، و قال تعالى: ﴿وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143]، فهو سبحانَه
يَعلَمُ أعمالَ بَني آدمَ، لا تَخْفى عليه، ومعَ هذا يَكتُبُها فقدْ وَكَّلَ مَلائِكَةً
حَفظةً يَكتُبون أعمالَ بَني آدمَ خَيرَها وشرَّها، ثمَّ يومَ القِيامةِ يُعْطَوْن
صَحائِفَهم التي فيها أعمالُهم، ويُحاسَبُون عليها، فهذا يَدُلُّ على أنَّ
الإنسانَ ليسَ بمُهمِلٍ، يَسرَحُ ويَمرَحُ ويَفسُقُ ويَكفُرُ ويَطغَى ويَتجَبَّرُ
ويَظُنُّ أنَّه مُهمَلٌ، بل أعمالُه كلُّها مُسجَّلةٌ عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ
أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40].
قال: «ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا» مَتَى؟ يومَ القيامةِ، و«ثُمَّ» هذه للمُستقبَلِ، «ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا» كلُّ إنسانٍ يُجازَى على عَمَلِه خيرًا أو شرًّا، ويُوفَّى عمَلُه لا يَضيعُ منه شَيءٌ، قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُون ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ كتابِ الملائكةِ الحفظةِ، ﴿لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ