×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 ومنهُم بارٌّ وشَقيٌّ، مِثْلُ بني آدمَ، وهم عالَمٌ من عالَمِ الغَيبِ لا نراهم.

قالَ - سُبحانه -: «كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ» لو كانوا كلُّهم صالحينَ بَررةً لا يَقعُ منهُم خطأٌ «مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا»؛ لأنَّ اللهَ جل وعلا لا تَنفَعُه طاعَةُ المُطيعِ؛ لأنَّه غَنيٌّ عن ذلكَ، فمُلْكُ اللهِ تامٌّ، ولا تَزيدُه طاعةُ الطَّائِعينَ.

قال - سُبحانه -: «لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» لو كفَرَ النَّاسُ جميعًا، فإنَّ مُلكَ اللهِ تامٌّ ولا يَنقصُ بسَببِ كُفْرِ المَخلوقينَ، إنَّهم لن يَضُرُّوا اللهَ شَيئًا؛ ولهذا قالَ جل وعلا: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم: 8]، فلا يغترَّ الإنسانُ بعَمَلِه وطاعاتِه ويمنَّ على اللهِ تَعالى بها، قال تعالى: ﴿قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 17] فالمِنَّةُ للهِ سبحانه وتعالى.

قال - سبحانه -: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ» الصَّعيدُ: ما تَصاعَدَ على وَجْهِ الأرْضِ، «فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ» يعني: في مكانٍ واحِدٍ، فإذا اجتَمعَ الخَلقُ كلُّهم جنُّهم وإنسُهم أوَّلُهم وآخِرُهم وكلُّ واحِدٍ سَألَ اللهَ حاجاتِه. قالَ: «فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي»؛ لأنَّ «يَمِينُ اللهِ مَلأَْى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةً سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»([1])، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [المنافقون: 7]، فلا تَنقُصُ خَزائِنُ اللهِ بالإِنفاقِ أبدًا،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (7419)، ومسلم رقم (993).