يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، فليسَ هُناك ذَنبٌ
يخرُجُ عن مَغفرةِ اللهِ أَبدًا، فلا تَيأسْ مِن رحْمةِ اللهِ ومَغفرَتِه وتَترُكَ
التَّوبةَ والاستِغفارَ، ولا تَقُلْ: إنَّ هذا الذَّنبَ لا يُغفَرُ، بل بادِرْ
بالاستِغفارِ صادقًا، واللهُ غفورٌ رحيمٌ.
ثمَّ قالَ - سُبحانه
-: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ
تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي» اللهُ غَنيٌّ عن عِبادِه سبحانه وتعالى،
فمَن كَفرَ وأشرَكَ وعَصى اللهَ فإنَّه لا يَضُرُّ اللهَ جل وعلا، وإنَّما يَضُرُّ
نَفْسَه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى
إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 8]، فهو سُبحانه ليس بحاجةٍ إلى عِبادَتِنا
وطاعَتِنا، وإنَّما أمَرَنا بها لحاجَتِنا نحنُ إليها فَضْلاً منه سبحانه وتعالى، «وَلَنْ
تَبْلُغُوا نَفْعِي» مهْما فَعَلْتَ الطَّاعاتِ والحَسناتِ فإنَّك لا تَنفَعُ
اللهَ بها، وإنَّما تَنفَعُ نَفْسَك، فأنتَ الَّذي بحاجَةٍ إليها، «وَلَنْ
تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي» فاللهُ لا يَتضرَّرُ بالمعاصي، ولا يَنتَفِعُ
بالطَّاعاتِ؛ لأنَّه غنيٌّ عَن ذلكَ، وإنَّما هذا يَرجِعُ إلى العبدِ، طاعَتُه لهُ
ومعصِيَتُه عليه، فاللهُ هو النَّافِعُ الضَّارُ سبحانه وتعالى.
قال - سُبحانه -: «يَا
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ» أوَّلُ الخَليقَةِ وآخِرُ
الخَليقةِ إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ، «لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ» وهُم بنو آدمَ «وَجِنَّكُمْ» وهم العالَمُ الثَّاني،
الجنُّ عالَمٌ لا يَعْلَمُهم إلاَّ اللهُ لا نَراهم؛ ولذلك سُّمُوا بالجِنِّ من
الاجتِنانِ وهو الاختِفاءُ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ
يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27]، فهم مَوجُودون
ويعيشون مَعَنا، ومنهُم مُؤمِنٌ وكافِرٌ، ومنهُم مُطيعٌ وعاصٍ،