وإلاَّ فلابدَّ أن يَقْتصَّ للمظلومِ منَ
الظّالِمِ؛ لأنَّه حقٌّ مَخلوقٍ لا يَسقُطُ إلاَّ بعَفْوِه أو استِيفائِه، واللهُ
تعالى حرَّمَ الظُّلمَ على نَفْسِه، يعني: مَنَعَ نَفْسَه منَ الظُّلمِ؛ لأنَّه لا
يَليقُ به سبحانه وتعالى، فلا يُعذِّبُ أحَدًا بغَيرِ عَمَلِه، لا يعُذِّبُ أحدًا
إلاَّ بما عَمِلَ، وهذا هو العَدْلُ، أمَّا لو عذَّبَه على شَيءٍ لم يَعْمَلْه،
فهذا ظُلْمٌ، واللهُ سبحانه مُنزَّهٌ عنهُ؛ لقَوْلِه: «إِنِّي حَرَّمْتُ
الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي».
قوْلُه: «وَجَعَلْتُهُ
بَيْنَكُمْ» أي بينَ العِبادِ، «مُحَرَّمًا» حرَّمَ اللهُ الظُّلمَ،
وأَخبَرَ أنَّه يأخُذُ الظَّالمينَ ويُهْلِكُهم، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ
غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42]، فمَهما ظَلَمَ
الإنسانُ وتمادَى فإنَّه لابدَّ أنْ يُواِجَه ويُلاقِي ظُلْمَه عاجِلاً أو آجِلاً،
وقد قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمُعاذٍ رضي الله عنه: «وَاتَّقِ
دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»([1]) سواءً كانَ
المَظلومُ مسلمًا أو كافِرًا، لا يجوزُ ظُلمُ أحَدٍ، حتَّى الكفَّارِ لا يجوزُ
ظُلْمُهم، قال تعالى: ﴿وَلاَ
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8]، ودُعاءُ المَظلومِ مُستجابٌ ولو كانَ كافرًا؛
لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لا يَرضَى بالظُّلمِ والتَّعدِّي.
قوْلُه سُبحانه: «فَلاَ تَظَالَمُوا» أي لا يَظْلِمُ بعضُكُم بَعضًا، هذا تَحذيرٌ منَ اللهِ سبحانه وتعالى مِن تَظالُمِ العبادِ، وقد حذَّرَ اللهُ منَ الظُّلْمِ في كِتابِه في آياتٍ كثيرةٍ، وتوعَّدَ الظَّالمينَ، وضَربَ لنا الأَمْثلةَ للظَّلمةِ الَّذين أخَذَهمُ اللهُ عز وجل، تَحذيرًا لنا من الظُّلمِ، وِمن عادةِ الإنسانِ أنَّه ظَلومٌ إلاَّ مَن
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1395)، ومسلم رقم (19).