اخْتِلاَفًا كَثِيرًا» يعني: يَظهَرُ
اختِلافٌ في الأُمَّةِ في الآراءِ، وفي الأقوالِ، وفي الأعمالِ، فما العِلاجُ إذا
حصَلَ؟ العلاجُ التَّمسُّكُ بسُنَّةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، وهذا كما في
قولِه تَعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، وليسَ الحَلُّ في
هذه المُشكلةِ أن يُؤخَذَ برَأْي فلانٍ وفلانٍ؛ بل يُؤخَذُ بما قامَ عليه
الدَّليلُ من كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه، وهما كَفيلانِ بحَلِّ المَشاكلِ، ما
تَركَ اللهُ فيهما مِن شَيءٍ ينفَعُ الأمَّةَ في الدِّينِ والدُّنيا إلاَّ
وبَيَّنَه، فالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى
الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلاَّ هَالِكٌ»([1])، وقالَ: «إِنِّي
تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابِ اللهِ
وَسُنَّتِي»([2])، فهما المَرجِعُ
عندَ الاختِلافِ، وهذا فيه ردٌّ على الَّذين يُنادون بحُرِّيةِ الرَّأيِ، ويقولون:
كلٌّ له رأيٌ ولا نَحجُرُ على النَّاسِ.
وهؤلاءِ نقولُ لهمْ:
نحنُ لا نَحجُرُ على النَّاسِ، ولكن نَقولُ: مَرجِعُنا ومَرجِعُكم ومَرجِعُ
الجميعِ هو كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رسولِه صلى الله عليه وسلم، واللهُ تَعالى ما
تَركَنا للاختِلافِ، ولا تَركَنا للآراءِ والأقوالِ، وإنَّما أمَرَنا باتِّباعِ
كِتابِه وسُنَّةِ رسولِه، هذا الَّذي أمَرَنا اللهُ به.
قولُه: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» هذه كلمةٌ بمَعْنى الأمرِ، مِثْلُ قولِه تَعالى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: 105]، أي: الْزَمُوا أنفُسَكم، «وَ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» أي: الْزَمُوا سُنَّتي، والمرادُ بسنَّةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم طريقَتُه الَّتي كان يَسيرُ
([1]) أخرجه: ابن ماجه رقم (43)، وأحمد رقم (17142)، والحاكم رقم (331).