منَ النَّومِ ثمَّ يقومُ نَشِطًا، قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ
هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾ [المزمل: 6]، وناشئَةُ
اللَّيلِ: هيَ القِيامُ بعدَ نَومٍ، وقد قالَ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ
الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عليه السلام، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى
اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُوم ثُلُثَهُ،
وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا»([1])، يقومُ الثُّلثَ
الَّذي بعدَ النِّصفِ، هذا هو جَوفُ اللَّيلِ، ويُصادِفُ النُّزولَ الإلَهيَّ في
آخرِ اللَّيلِ، يَجمَعُ بينَ جَوفِ اللَّيلِ وبينَ آخرِ اللَّيلِ وَقْتِ النُّزولِ
الإلهيِّ، فيَجمعُ بينَ الفَضيلتَيْنِ، فمَنْ أرادَ أنْ يَحصُلَ على هذا الأَجْرِ
فلْيُرتِّبِ القيامَ في هذا الوَقتِ.
قال: «ثُمَّ تَلاَ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: 16] حتَّى بَلغَ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17]»، يعني: يقومون في اللَّيلِ، ويَتركون المَضاجِعَ
الدَّافئَةَ في الشِّتاءِ، والمَضاجعَ المُريحةَ، يتركون ما يُحبُّون ويَقومون
لطاعَةِ اللهِ عز وجل، فكَوْنُهم يتركون المَضاجعَ ويقومون دَليلٌ على صِدْقِ
إيمانِهم، ومَحبَّتِهم للخَيرِ، وأيضًا القيامُ في جَوفِ اللّيلِ أكثرُ إخلاصًا؛
لأنَّ النَّاسَ نائِمونَ لا يَرَوْنه.
ثمَّ قال: «أَلاَ
أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَْمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟» يعني:
الَّذي يَجمعُ لك كلَّ هذهِ الأمورَ.
قال: «رَأْسُ الأَْمْرِ الإِْسْلاَمُ» والإسلامُ: هوَ الاستَسْلامُ للهِ بالتَّوحيدِ، والانقِيادُ له بالطَّاعةِ، والبَراءةُ منَ الشِّركِ وأهْلِه، هذا تَعريفُه بأركانِهِ الخَمسةِ الَّتي مَرَّتْ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1131)، ومسلم رقم (1159).