ثمَّ قال: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلَى
يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»
إذا عَملْتَ هذه الأعمالَ فاحذرْ ممَّا يُبْطِلُها، وأعظمُ ما يَقْضي على الأعمالِ
الصَّالحةِ اللَّسانُ، بالكلامِ الفاحِشِ، والغِيبةِ، والنَّميمةِ، وشهادةِ
الزُّورِ وغيرِ ذلك، فهذا يُبطِلُ الأعمالَ ويأتي عليها؛ لأنّ الأعمالَ تَذهَبُ مع
المظلومينَ الَّذين تكلَّمْتَ فيهم أو عَلَيهم، حيثُ يَقتصُّونَ يومَ القيامةِ من
حَسناتِك، فتُصبِحُ مُفلسًا؛ لأنَّهم يأخُذونَها بمَظالِمِهم، فإذا أردتَّ أن
تَبقَى لك أعمالُك وحسناتُك فأمْسِكْ لسانَك على الكلامِ السَّيِّئِ فهو خطيرٌ
جدًّا.
قولُه: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ !» تعجَّبَ معاذٌ رضي الله عنه؛ لأنَّ الكلامَ سَهْلٌ على النَّاسِ، ألْسِنتُهم دائمًا تَشتَغلُ وتتكلَّمُ، فهل هذا يُؤثِّرُ على أعمالِ الإنسانِ ويُؤاخَذُ به؟ فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ» يعني: فَقدَتْكَ أُمُّك، هذا أصْلُه دعاءٌ بالهَلاكِ، ولكن جَرَى على اللِّسانِ من غيرِ قصْدٍ، فقولُه صلى الله عليه وسلم: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ» ليس مَعناهُ أنَّه يدعو على مُعاذٍ بالهَلاكِ، وإنَّما هي كلمةٌ تَجرِي على اللِّسانِ ولا يُقصَدُ معناها، «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» فهذا فيه خَطرُ اللِّسانِ، وخطرُ الكلامِ، فقدْ يَتكلَّمُ الإنسانُ بالشِّركِ والكُفرِ ويَخرجُ منَ الإسلامِ، وقد يَسُبُّ الدِّينَ، ويَسبُّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم، ويستهزِئُ بالدِّينِ فيَخرجُ منَ الإسلامِ، وقد يقولُ كلمةَ الكُفرِ وهي خَفيفةٌ على اللِّسانِ، ولكنَّها تُذهِبُ أعمالَه ويُصبِحُ كافِرًا، وقد يَتكلَّمُ بالغِيبةِ والنَّميمَةِ وهما كَبيرتانِ من كبائرِ