قولُه: «فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» أي: مَن ليسَ له سُلطةٌ ولكنْ عندَه عِلْمٌ وبَصيرةٌ،
فهذا يُغيِّرُ بلِسانِه، فيُبيِّنُ للنَّاسِ، ويَعظُ، ويُذَكِّرُ، ويَخطُبُ،
ويُبلِّغُ وُلاةَ الأمورِ وأهْلَ الحِسبةِ عمَّا وقَعَ مِن أجْلِ أن يُغيِّرَه،
يُبلِّغُ مَن يُغيِّرُ بيَدِه ويَرفَعُ إليه الأمْرَ، فهذا الإنكارُ باللِّسانِ.
قولُه: «فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» أي: ليسَ عندَه عِلْمٌ ولا عندَه مَعرفةٌ، ولا
يَعرفُ كيفَ يُنكِرُ، أو أنَّه عندَه عِلْمٌ، وعندَه مَعرفةٌ، ولكنَّه مَمْنوعٌ
منَ الكلامِ، فهذا يُنكِرُ بقَلْبِه، فيبغضُ المُنكرَ وأهْلَ المنكرِ ويَعتزِلُهم
ويَبتَعِدُ عنهم.
فدلَّ ذلك على أنَّه
لا يجوزُ تَرْكُ إنكارِ المُنكرِ، وأقَلُّه بالقَلْبِ، وإذا تَركَ المُسلمونَ
إنكارَ المُنكرِ كانوا مِثْلَ بني إسرائيلَ، ﴿كَانُوا
لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 79]، فلابدَّ أنْ يُنكِرَ المُنكرَ: إمَّا باليَدِ،
أو باللِّسانِ، أو بالقَلبِ وهذا أضْعَفُ الإيمانِ، كما في الحديثِ «وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الإِْيمَانِ»، وفي رِوايةٍ: «لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ
الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»([1])
ودلَّ على أنَّ
العَملَ منَ الإيمانِ فإنكارُ المُنكرِ عَملٌ، وعدَّهُ النَّبيُّ صلى الله عليه
وسلم منَ الإيمانِ، وفي قوْلِه صلى الله عليه وسلم: «أَضْعَفُ الإِْيمَانِ»
دليلٌ على أنَّ الإيمانَ يَنقُصُ حتَّى يَبلُغَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردلٍ،
وَيَزيدُ إلى ما شاءَ اللهُ، فالإيمانُ يَزيدُ ويَنقصُ ليس على حدٍّ سواءٍ في
قُلوبِ النَّاسِ:
فَمِنْهُم مَن إيمَانُه قويٌّ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (50).