×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 فهذا ليسَ حَسدًا وإنَّما هو غِبطةٌ، وهذا مَحمودٌ؛ لأنَّه يدُلُّ على محبَّةِ الخيرِ.

ثمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَنَاجَشُوا» النَّجْشُ: استِثارَةُ الشَّيءِ، والنَّجْشُ في البَيعِ: الزِّيادةُ في ثَمنِ السِّلعةِ، وتناجشوا تَفاعُلٌ من النَّجشِ، هو أن يَزيدَ الرَّجلُ ثَمنَ السِّلعةِ وهو لا يُريدُ شِراءَها ولكن ليَسْمَعه غيرُه فيَزيدُ زيادَتَه، فهذا مُحرَّمٌ بدَلالةِ هذا الحديثِ، أمَّا إنْ كانَ يَزيدُ في السِّلعةِ مِن أجلِ أن يَشتَريها فلا مانعَ، فقد فَعَلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم([1])، أمَّا أنَّه يَزيدُ فيها وهو لا يُريدُ شِراءَها وإنَّما يريدُ أنْ يرفَعَ قِيمَتَها لكَوْنِه شريكًا للبائِعِ أو صَديقًا له وما أشْبَه ذلك، فهذا نَجْشٌ مُحرَّمٌ، هذا مَعنَى قوْلِه: «لاَ تَنَاجَشُوا»، فإذا كانَ لك رَغبةٌ في السِّلعةِ فزِدْ فيها، وإن لم يكُنْ لك فيها رَغبةٌ فاتْرُكْها.

قولُه صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ تَبَاغَضُوا» البُغضُ في القَلبِ وهوَ الكَراهيةُ، والمَطلوبُ العَكسُ وهو المَحبَّةُ بينَ المُسلمينَ، فيُحبُّ بَعضُهم بَعضًا، قالَ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»([2])، فالمَطلوبُ هو التَّحابُّ بينَ المسلمينَ، أمَّا أنْ يَتباغَضُوا فهذا مَنهيٌّ عنه، لكن هل يَملِكُ الإنسانُ أن يُزيلَ ما فيه قَلْبُه من البُغضِ؟ هذا سَجيَّةٌ في بَعضِ النَّاسِ، لكن إذا أَبْغضْتَ فلا تَعملُ بمُوجبِ البُغضِ فتَضرَّ أخاك، فإذا وجدْتَ في نَفْسِك بُغضًا فادْفَعْه بتَذَكُّرِ ما بينَ المُسلمينَ منَ المَحبَّةِ والخيرِ، ولا تَعملُ به، ولا تُنفِّذُه، أو تُظهِرُ البَغضاءَ.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (1641)، والترمذي رقم (1218)، وابن ماجه رقم (2198).

([2])  سبق تخريجه.