يقولُ صلى الله عليه
وسلم: «التَّقْوَى هَاهُنَا» - يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
-، يعني: إلى قَلْبِه، فالعِبرةُ بالقُلوبِ لا بالمَظاهِرِ، فما دامَ أنَّه مُؤمنُ
القَلبِ فإنَّه له قَدرٌ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، وقدْ قالَ صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ»([1])، فالعِبرَةُ بما في
القَلبِ منَ الإيمانِ أو ضِدِّه، ولو ظَهرَ خِلافُ ذلك لا يُعتَبرُ.
وليسَ المَعنى ما
يَظنُّه بَعضُ النَّاسِ أنَّه يَفعَلُ ما يَشاءُ مِن الجرائِمِ والمعاصي ويقولُ:
التَّقْوى بالقَلْبِ. لا، هذا عَكْسَ ما يدُلُّ عليه الحديثُ؛ لأنَّه إذا صَلحَ
القَلبُ صَلَحَتِ الأعمالُ وصلَحتِ الجوارحُ، كما قالَ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ
وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا
فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألاَ وَهِيَ الْقَلْبُ»([2])، فالَّذي يَتظاهَرُ
بالمعاصي والمُخالفاتِ فإنَّ ذلكَ دليلٌ على فَسادِ قَلْبِه، والَّذي يَعملُ
الصَّالحاتِ والطَّيِّباتِ فإنَّ ذلك دليلٌ على صَلاحِ قَلْبِه، فمَعنى قوْلِه صلى
الله عليه وسلم: «التَّقْوَى هَاهُنَا» أنَّه لا يَغتَرُّ بالمَظاهِرِ
الَّتي يَرَاها النَّاسُ حَسنةً، وكان قَلبُ صاحِبِها فاسدًا، فهي لا تَنفَعُ،
فالمُنافِقون يَتظاهَرُون بالإيمانِ، ويَتظاهَرُون بالأعمالِ الصَّالحةِ لكنَّ
قُلوبَهم فاسدَةٌ، وهم في الدَّرْكِ الأسْفلِ منَ النَّارِ.
قوْلُه صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ» يعني: يَكْفي الإنسانَ منَ الشَّرِّ «أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ» احتِقارُه لأخيهِ شَرٌّ مَحْضٌ.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (34).