لمَّا سَمِعَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما
الوَصيَّةَ منَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم قالَ للنَّاسِ ولكلِّ أحَدٍ: «إِذَا
أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرْ
الْمَسَاءَ» إذا أصبحتَ فلا تُؤخِّرِ العملَ إلى اللَّيلِ، تقولُ: أعمَلُ هذا
العمَلَ باللَّيلِ. بل بَادِرْ به واعمَلْهُ، فلعلَّك لا تُدرِكُ اللَّيلَ، وإذا
أَمْسيتَ فلا تُؤخِّرِ العَملَ والتَّوبةَ إلى الصُّبحِ، لعلَّكَ لا تُدرِكُ
الصُّبحَ، فليس لك إلاَّ السَّاعةُ الَّتي أنتَ فيها، فبادِرْ ولا تُؤجِّلِ الأعمالَ
الصَّالحةَ والتَّوبةَ والاستِغفارَ إلى وقْتٍ آخَرٍ.
ثمَّ قالَ: «وَخُذْ مِنْ
صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ» هذهِ مِن وصيَّةِ ابنِ عُمرَ، ما دامَ الإنسانُ في
صحَّةٍ وعافيةٍ فهو قَويٌّ؛ يَقدرُ على الصِّيامِ، ويَقدرُ على قِيامِ اللَّيلِ،
ويَقدِرُ على الجهادِ في سَبيلِ اللهِ، ويَقدرُ على الدَّعوةِ إلى اللهِ، ويَقدِرُ
على بَذْلِ الخيرِ، أمَّا إذا سَقِمَ ومَرِضَ فإنَّه لا يستطيعُ أن يَصومَ، ولا
يستطيعُ أنْ يقومَ اللَّيلَ، ولا يستطيعُ ما كانَ يستَطيعُهُ وهو في صحَّتِهِ
بسَببِ المَرضِ، والصِّحةُ لا تَدومُ، فما دامَ اللهُ أعطاكَ الصِّحَّةَ فبادِرْ
بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ لأنَّه سيأتي عليك وقْتٌ لا تَستطيعُ أنْ تَعمَلَ فيه،
إمَّا لِمَرضٍ أو لكِبَرٍ وهَرَمٍ.
قولُه: «وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» خُذْ من حياتِك في هذهِ الدُّنيا لمَوتِك، استَعدَّ للمَوتِ وما بعدَ المَوتِ، فاللهُ أعطاكَ هذه الحياةَ وهذا الأجَلَ مِن أجْلِ أنْ تَستغِلَّهُ فيما يَنفَعُك في الآخِرَةِ، فلا تَصرِفُه في اللَّهْوِ واللَّعبِ وجمْعِ الحُطامِ، وإنَّما تَصرِفُه فيما تَجِدُه عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، فهذه وصيَّةٌ استَنْتَجَها ابنُ عمرَ منْ وصيَّةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم له، فيَنبَغي للمسلمِ أنْ تكونَ