×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فلما استولى ابن الزبير رضي الله عنهما على مكة، أعاد الكعبة على قواعد إبراهيم، وأدخل فيها الحجر، وجعل لها بابين من الشرق والغرب؛ كما كانت من عهد إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

فلما استولى عبد الملك بن مَرْوان على مكة بعد ابن الزبير، واليه الحَجاج هدم الكعبة وأعادها على بناء قريش؛ لأن هذا أمر سياسي وليس بديني، أمر سياسي؛ بغضًا لابن الزبير، فأعادها على بناء قريش، وبقيت على ذلك.

فلما أراد الخليفة العباسي أن يعيدها كما بناها ابن الزبير، مَنَعه الإمام مالك، وقال: «لا تصبح الكعبة ألعوبة بيد الأمراء - أو: بيد الخلفاء - »، فمَنَعه من ذلك رحمه الله، فبقيت على ما هي عليه.

النبي صلى الله عليه وسلم أَحَب أن يعيدها على قواعد إبراهيم، ولكن خاف من الفتنة؛ ولهذا قال لعائشة: «لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لَأَعَدْتُ الكَعْبَةَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ»([1]).

فهذا مِن دَرْء المفاسد، «دَرْء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح» هذه قاعدة، الرسول صلى الله عليه وسلم تَرَك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وأقرها على ما هي عليه؛ خوفًا من الفتنة، أن يقولوا: محمد هدم الكعبة! محمد فَعَل كذا وكذا! الأعداء ينفرون، ويجعلون المحاسن مساوئ.

فهذا فيه: دليل على ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما، وأن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (1583)، ومسلم رقم (1333).