×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فهذا فيه: مشروعية استشارة أهل العلم، قبل أن يُقْدِم الإنسان على شيء فإنه يستشير أهل العلم؛ لئلا يخطئ في تصرفه، فمشورة أهل العلم فيها تسديد وفيها خير، والعالم يتنبه لشيء لم يتنبه له السائل.

استشار عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهاه عن اشترائه ولو باعه بدرهم.

فدل على: أن مَن تَصَدَّق بصدقة، سواء كانت صدقة واجبة كالزكاة والكفارة، أو صدقة مستحبة، فإنه لا يجوز له أن يسترجعها ولو بالشراء؛ لأنه أخرجها في سبيل الله، فلا يستردها، فيتركها، يبيعها على غيره، ولو كانت رخيصة، فإنه لا يشتريها قطعًا للعَوْد في الهبة.

فلا يجوز العَوْد في الهبة إذا قُبِضت، الهبة إذا قُبِضت لا يجوز للواهب أن يعود فيها حتى ولو بالشراء، فكيف بغيره؟

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضَرَب مثلاً مُنفِّرًا من هذا العمل، فقال: «إِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وهل أحد يعود في قيئه، وهو ما استفرغ من معدته؟ تكرهه النفوس، وتشمئز منه أن أحدًا يأكل قيئه، وأشد من ذلك شَبَّهه بالكلب، فقال: «كالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»، فهذا من باب التنفير عن هذا العمل؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم شَبَّهه بالذي يأكل القيء بعدما استفرغه من معدته، وهذا تنفر منه الطباع، ولا يُقْدِم عليه إلاَّ الكلب، لا يُقْدِم عليه إنسان، إنما يُقْدِم عليه الكلب، الذي هو من أخس الحيوانات.


الشرح