أما إذا كان الجدار
قويًّا يتحمل، وصاحبه مستغنٍ عنه، واحتاج إليه جاره ليضع عليه «خَشَبَةً»، أو «خَشَبَهُ»،
فليس له منعه من ذلك؛ لأن هذا من حق جاره عليه بدون مقابل، بدون أن يقول: ما
أُمكنك إلاَّ أن تعطيني كذا وكذا!! لا يجوز له أخذ العوض على ذلك؛ لأن هذا حق واجب
عليه، وهذا مما يدل على محاسن هذا الدين، وأنه يحسن إلى الجيران، ويوصي بحقوقهم.
ولما أبلغ أبو هريرة
رضي الله عنه هذا الحديث لمن حضره، كأنهم لم يصغوا له، أو كأنه ثقل عليهم، فقال
رضي الله عنه: «مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟!»؛ أي: عن هذه
السُّنة التي بَلَّغتُكم إياها، «وَاللهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ
أَكْتَافِكُمْ!!»، وَفِي رِوَايَةٍ: «بَيْنَ أَكْنافِكُمْ»([1])؛ بالنون.
فهذا دليل على: أن العالِم يجب
عليه أن يُبلِّغ ما عنده من العلم وإن كره الناس ذلك، ولا يكتم ما عنده من العلم.
فقوله رضي الله عنه:
«وَاللهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ - أَوْ: أَكْنَافِكُمْ - »
يحتمل أمرين:
الأمر الأول: أنه يريد بها
السُّنة، لأرمين بالسُّنة، ولأصدحن بها، ولا أخشى في الله لومة لائم.
الأمر الثاني: أن المراد: «لأُلزمنكم بها» لأنه كان أميرًا على المدينة، وقتما قال هذا الحديث كان أميرًا على المدينة، وكان يخطب
([1]) أخرجه: ابن ماجه رقم (2335).