×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

المسألة الثالثة: فيه سؤال أهل العلم؛ لأن سعدًا انتهز الفرصة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الأسئلة المهمة، والذي يتعلق بالباب منها هو الوصية.

قال سعد رضي الله عنه: إن له مالاً كثيرًا، ولا يرثه إلاَّ ابنة له، ومعلوم أن البنت لها النصف، والباقي أين يذهب؟ هذا في وقت مرضه، ولكنه رضي الله عنه جاءه أولاد بعد ذلك وأنجب.

«لاَ يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟»، قَال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ» قال: «فَالشَّطْرُ»؛ يعني: النصف، أُوصي بنصف مالي؟ قال «لاَ»، قال: «فَالثُّلُثُ؟» قال: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ».

فدل هذا: على مشروعية الوصية بالمال وأنها مستحبة.

ودل: على مقدارها، وأنها تكون في حدود الثلث فأقل، ولا تَزيد عن الثلث. فإن زادت فإنها لا تصح إلاَّ برضا الورثة بعد الموت. أما إذا كانت في حدود الثلث فأقل، فإنها تمضي وليس للورثة اعتراض عليها.

ثم بَيَّن صلى الله عليه وسلم العلة التي من أجلها أوصاه بالتقليل من الوصية، فقال: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»، «عالة»: يعني فقراء.

فدل على: أن المال الذي يُخَلِّفه الميت لورثته له فيه أجر؛ لأنه نَفَعهم ووَسَّع عليهم، «خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».

ودل -أيضًا- هذا الحديث: على عَلَمٍ من أعلام النبوة، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر سعدًا بأنه لن يموت بمكة، وأنه سيؤخر له في أجله، وأنه سينفع الله به أقوامًا ويضر به أقوامًا.


الشرح