وقد وقع ما أخبر به
صلى الله عليه وسلم، فإن سعدًا رضي الله عنه لم يمت في مكة، بل طال عمره، وجاهد في
سبيل الله، وفتح الفتوح، رضي الله عنه، ونفع الله به المسلمين، وضر به الكفار: «وَلَعَلَّكَ
أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ»،
وهم الكفار، وذلك بالجهاد في سبيل الله؛ لأن سعدًا رضي الله عنه كان قائدًا من
قواد الجهاد في خلافة الخلفاء الراشدين. فهذا فيه عَلَمٌ من أعلام النبوة.
وفيه: أن النفقة التي
ينفقها الإنسان وهو حي، الذي يخلفه له فيه أجر، والذي ينفقه في حياته له فيه أجر،
ينفق على نفسه وعلى أولاده، حتى ما يجعله في فيِّ امرأته، مع أن نفقة امرأته واجبة
عليه، ولكن له فيه أجر؛ لأنه بذلك يغنيها عن الناس، فله أجر على النفقة الواجبة،
فما بالك بالنفقة المستحبة؟!
فهذا فيه دليل: على أن ما ينفقه
الإنسان مبتغيًا به وجه الله، فإنه يؤجر عليه، وأن ما يتركه لورثته أنه يؤجر عليه
أيضًا، ولا يضيع له شيء عند الله سبحانه وتعالى.
قال صلى الله عليه
وسلم: «لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ...»؛ لأن سعد بن خَوْلة
من المهاجرين، ولكنه تُوفي رضي الله عنه في مكة، فحصل عليه شيء من النقص، في كونه
لم يمت في بلد الهجرة، وإنما مات في البلد التي هاجر منها. «البائس» معناه
الفقير.
«يَرْثِي لَهُ
رَسُولُ اللهِ»؛ يعني: يتأسف عليه رسول الله «أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ»؛ لأن هذا فيه
نقص عليه في أجره.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَِصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ» دعا صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأن يُمضي الله لهم هجرتهم التي هاجروها وأن يُتمها لهم.