×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فهذا من الفوائد التي حصلت بسبب بَريرة؛ أن المملوكة إذا أُعتقت، وهي تحت مملوك، أنها تُخَيَّر بين البقاء معه وهو مملوك، أو أنها تختار نفسها. فاختارت نفسها.

هذا حُكْم شرعي نزل بسبب بَريرة رضي الله عنها.

الثانية: أنتم تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمت عليه الصدقة، الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. ولكن لو تُصُدق على أحد ممن تحل له الصدقة، فأَهدى للنبي صلى الله عليه وسلم منها، جاز ذلك.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته، ورأى القِدْر يُطبخ فيها لحم، وطَلَب الطعام، فأتوه صلى الله عليه وسلم بطعام ليس فيه لحم، فيه خبز وأُدْم من أُدْم البيت ولم يَرَ اللحم، مع أنه يرى القِدر وهو يطبخ، فسألهم: لماذا لم يأتوا له بلحم؟! فقالوا: إنه صدقة تُصُدِّق به على بَريرة، فأهدت لنا منه. فقال صلى الله عليه وسلم: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ». وكان صلى الله عليه وسلم يَقبل الهدية، كان تحرم عليه الصدقة وتحل له الهدية.

فبَيَّن صلى الله عليه وسلم حكمًا شرعيًّا، وهو أن مَن لا تحل له الصدقة إذا أهدى إليه صلى الله عليه وسلم مما تُصُدق عليه، أو صَنَع له طعامًا من هذه الصدقة، أنه يحل له ذلك؛ لأن الصدقة إنما تكون على الأول، وأما الثاني فتكون هدية. والنبي صلى الله عليه وسلم تحل له الهدية، قال: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ».

فبَيَّن صلى الله عليه وسلم حكمًا شرعيًّا بسبب هذه المرأة، بسبب بَريرة رضي الله عنها.

الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» في قصتها التي مرت بكم، أن أسيادها كاتبوها، فاشترت نفسها منهم بمال تدفعه لهم وتُعتق، واشترت نفسها بذلك، جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعين بها على أداء دَينها،


الشرح