فكأنهم ظنوا أنه صلى
الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى كثرة العمل، وأنهم ليسوا مثله لم يغفر لهم، لم تُضمن
لهم المغفرة!!
فقال أحدهم: «لاَ
أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ».
وقال الآخَر: «لاَ آكُلُ
اللَّحْمَ».
وقال الثالث: «لاَ أَنَامُ
عَلَى فِرَاشٍ»؛ يعني: يصلي كل الليل.
فلما بلغ ذلك رسول
الله صلى الله عليه وسلم حَمِد الله وأثنى عليه. وهذا فيه: أن المعلم والخطيب يبدأ
بحمد الله والثناء عليه في بيان مسائل العلم.
«فَحَمِدَ اللهَ
وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا؟! لَكِنِّي
أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ! فَمَنْ
رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»».
فبَيَّن لهم صلى
الله عليه وسلم سُنته، وأنها الوسط، الاعتدال بين الإفراط والتفريط، فهي وسط بين
الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بُعِث بالحنيفية
السمحة، وبالدين الذي ليس فيه حرج: ﴿وَمَا
جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ﴾ [الحج: 78].
وكان يَنْهَى صلى
الله عليه وسلم عن التشدد في العبادة، وأن يُحَمِّل الإنسان نفسه ما لا تطيق من
العبادة؛ لأن هذا لا يُرضي الله سبحانه وتعالى، وإن كان صاحبه يريد أن
يُرضي الله وأن يتقرب إليه، فهذا لا يُرضي الله عز وجل.
والاعتدال سبب للاستمرار على العمل، وأما التشدد فهو سبب للانقطاع وتَرْك العمل. وخير العمل - كما في الحديث - أدومه وإن قَلَّ([1]).
([1]) أخرجه: مسلم رقم (782).