×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فالتشدد سبب للانقطاع عن العمل؛ لأن الإنسان بشر، والنفس تعجز.

مثل الراحلة، إذا أتعبتَها كَلَّت وعجزت عن السير، وإذا أعطيتَها شيئًا من الراحة، فإنها تبلغ المقصود. أما الذي يَشُق على راحلته فهو مُنْبَتّ، لا أرضًا قَطَع، ولا ظهرًا أبقى.

كذلك الذي يُشدِّد على نفسه، فالنفس مثل الراحلة، إذا تعبت فإنها تسأم وتترك العمل.

وهذا شيء مجرب، كثير من المتشددين ينقطعون، وربما ينحرفون - والعياذ بالله -، كثير من المتشددين ينقطعون ولا يستمرون، ومنهم مَن ينحرف ويزيغ.

فهذا هو الذي من أجله حُرِّم التشدد والغلو، قال الله جل وعلا: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ [النساء: 171]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدَّينِ»([1]).

فالذي يريد الخير يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا[الأحزاب: 21]، فهو خير قدوة صلى الله عليه وسلم، وهو أتقى الخلق لله عز وجل، وأخشاهم لله عز وجل.

وليس معنى خشية الله والخوف منه أنك تُحَمِّل نفسك ما يشق عليها، فإن الله لا يَرضى بذلك.


الشرح

([1])  أخرجه: النسائي رقم (3057)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (3248).