فصارت بلادًا
إسلامية، سافر إليها هؤلاء النفر، وتفرقوا في خيبر في النخيل، ولما رجعوا وجدوا
صاحبهم يتشحط في دمه، وجدوا عبد الله بن سهل قتيلاً، وجده قريب القتيل يتشحط في
دمه؛ يعني: يتحرك في دمه، دليل على أن قاتله قريب، لكن لا يعرفونه.
والمتهم فيه اليهود؛
لأنه قتيل بينهم وبين منازلهم ومساكنهم، وهم أعداء للمسلمين؛ فالقرينة قوية في أنهم
هم الذين قتلوه، وهذا ما يسمى بـ«اللَّوْث»([1])؛ يعني: العداوة
الظاهرة. فاللَّوْث - وهو العداوة الظاهرة - قرينة تغلب على الظن أنهم هم الذين
قتلوه.
فاتهموا فيه اليهود،
وذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطالبون بدمه، وتكلم عبد الرحمن بن سهل،
وكان أصغر القوم، وهو أخو القتيل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرْ،
كَبِّرْ»؛ يعني: اترك الكلام للكبير. هذا من الأدب؛ أن الصغير ما يتكلم بوجود
الكبير، وهم كلهم جاءوا في القضية. فهذا فيه حسن الأدب، وأن الكبير يُقَدَّم في
الكلام، قال له: «كَبِّرْ، كَبِّرْ».
فتكلم حُوَيِّصة
وادعوا على اليهود أنهم هم الذين قتلوه.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يَحكم بدعواهم؛ كما هي القاعدة الشرعية: أنه لا يُحْكَم بالدعوى إلاَّ ببينة أو يمين: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ،
([1]) قال ابن الأعرابي: اللَّوْث: الطي. واللَّوْث: اللَّيّ. واللَّوْث: الشر. واللَّوْث: الجراحات. واللَّوْث: المطالبات بالأحقاد. واللَّوْث: تمريغ اللقمة في الإهالة. انظر: تهذيب اللغة (15/ 92)، ولسان العرب (2/ 185).
وقال ابن قدامة في المغني (8/ 491).