×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

 لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»([1])، هذه هي القاعدة القضائية.

طَلَب صلى الله عليه وسلم منهم البينة، فلم يأتوا ببينة، شهود على ما قالوه، فقال: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ»، هذه تُسَمَّى القَسَامة، أيمان القَسَامة، «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ».

ليس فقط تحلفون على أنهم قتلوه، ما يكفي هذا، لا بد أن تُعَيِّنوا الشخص، تحلفون خمسين يمينًا أن فلانًا هو الذي قتله. هذا عَدْل الإسلام، عَدْل الإسلام حتى مع الأعداء، خمسون يمينًا على شخص واحد، «فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ»؛ يعني: بالحبل الذي في رقبته، «رُمته»: يعني الحبل الذي يُوضع في رقبة الجاني حينما يراد تنفيذ القصاص به([2]).

«وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟!»، هذا دليل على تورعهم، مع أن القرينة قوية، وهو يغلب على الظن، لكن خافوا على ذممهم، «قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟!»، يحلفون على غلبة الظن، لكنهم تورعوا، ولم يحلفوا حتى مع غلبة الظن، لم يحلفوا تورعًا منهم.

قال صلى الله عليه وسلم: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا»، قَالُوا: كَيْفَ بِأَيْمَانِ قَوْمِ كُفَّارٍ؟!».


الشرح

([1]) أخرجه: مسلم رقم (1711).

([2]) انظر: العين (8/ 260)، وتهذيب اللغة (15/ 139)، والصحاح (5/ 1937)، ومقاييس اللغة (2/ 379)، ولسان العرب (12/ 252).