×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فالتعزير: هو التأديب، في كل معصية ليس فيها حد وليس فيها كفارة. أما ما فيه حد فيكفي الحد فيه، وما فيه كفارة تكفي الكفارة فيه.

ويطلق التعزير على التوقير، فهو من الأشياء التي يسمونها مضادًّا لُغَويًّا. يطلق على معنيين متغايرين من باب الأضداد، يسمونه باب الأضداد، يُستعمل اللفظ الواحد لمعنيين متضادين.

ومن ذلك التعزير: يطلق ويراد به التأديب، كما هنا. ويطلق ويراد به التوقير: ﴿لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ [الفتح: 9]، تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم، ما معنى تعزروه؟ تؤدبوه؟ لا، ﴿فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ [الأعراف: 157]، يعني: عَزَّروه وقروه واحترموه صلى الله عليه وسلم. فهذا من الأضداد([1]).

وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ»، لو أخذنا بظاهره، لقلنا: إن التعزير لا يجوز أن يُرفع عن عَشَرة أسواط إلاَّ في الأشياء التي حددها الله كالزنى والقذف، هذه يُجْلَد فيها الحد.

ولكن العلماء لهم قولان في هذا الحديث:

القول الأول: منهم مَن يقول: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلاَّ فِي حَدٍّ»؛ يعني في معصية. المراد بالحد هنا: يعني المعصية. أما الجَلْد من باب التأديب على شيء غير معصية، وإنما يجلده ليؤدبه كمعلم


الشرح

([1]) انظر: تهذيب اللغة (2/78)، والصحاح (2/744)، ومقاييس اللغة (4/311)، ولسان العرب (4/562).