×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

فهذا بمثابة النذر، ولذلك أورده المؤلف في باب النذر، أو أنه يقاس عليه النذر.

فلو نذر الإنسان أن يتصدق بماله كله، أو قال - مثلاً -: «أنا أتصدق بمالي كله». ولم يقل: «عليَّ نذر». فالمعنى واحد.

«إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي؛ صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ!! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»».

فهذا فيه: دليل على أن الإنسان لو نَذَر أن يتصدق بجميع ماله فإنه خير له أن يُمسك بعضه؛ من أجل أن يسد به حاجته من الإنفاق على نفسه وعلى غيره، ولا يبقى بدون مال، ويتصدق بما زاد عن حاجته.

هذا موضع الشاهد من الحديث: أن الإنسان لو نَذَر أن يتصدق بماله كله، فإنه يمسك منه ما يحتاج إليه للنفقة على نفسه وعلى أولاده، وما زاد عن حاجته يتصدق به.

وهذا دليل: على يسر هذا الدين ورفع الحرج عن المسلم.

لكن يمكن أن يسأل سائل فيقول: أليس الله عز وجل يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ [آل عمران: 92]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ [الحشر: 9]، أليس هذا يدل على أن الإنسان يُقَدِّم ماله، ولو كان محتاجًا إليه، ولو كان يحبه؟

نقول: بلى، ولكن الناس يختلفون، وأبو بكر رضي الله عنه تصدق بماله كله، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.


الشرح