قالوا: فهذا فيه دليل على
جواز الحكم على الغائب إذا استدعى الأمر هذا؛ لئلا تضيع الحقوق، وإلا كان الواحد
يتغيب ويختفي وتضيع الحقوق، فإذا عَلِم أنه سيُحْكَم عليه جاء. وإن لم يحصل هذا،
يُفتح الباب للمحتالين ويختفون ويسافرون، وتضيع الحقوق.
فالحكم على الغائب
هذا حَكَم به الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان. هذا وجه سياق المؤلف لهذا
الحديث في باب القضاء.
وهو حُجة لمن قال:
يُقْضَى على الغائب.
وإذا جاء الغائب
وطَلَب إعادة النظر، فله ذلك، ما يُسَد الباب عليه. فإذا جاء وأجاب عن دعوى المدعي
بجواب صحيح، فإنه على حقه، فيُحْكَم على الغائب. وإذا حَضَر وعنده شيء خفي على
الحاكم فإنه يبديه، والحاكم يُغَيِّر حكمه.
وإنما قُضِي على
الغائب من باب الحاجة والضرورة ودفع حاجة المضطر. وهذا فيه سد باب على المحتالين
الذين يتهربون من القضاء ومن الحكم عليهم، فإذا علموا أن الحاكم سيحكم عليهم، ما
اختفوا وما تحايلوا.
ومِن العلماء مَن يقول: لا، هذا ليس من باب القضاء، هذا من باب الإفتاء؛ لأن القضاء لابد فيه من سماع جواب المُدَّعَى عليه. هذا هو الأصل في القضاء، لابد من سماع المُدَّعَى عليه. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمع من المُدَّعَى عليه، فيكون هذا من باب الفتوى لا من باب القضاء.