×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا»([1]).

*****

  النبي صلى الله عليه وسلم كان هو القاضي - كما سمعتم -، كان هو القاضي؛ لأن الله أَمَره بذلك: ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ [المائدة: 49].

فهو صلى الله عليه وسلم القاضي، وهو المفتي، وهو الإمام، وهو الأمير، وهو المحتسب صلى الله عليه وسلم، وهو الداعية إلى الله، وهو الواعظ، كل أمور الدين يقوم بها صلى الله عليه وسلم، قام بأعباء الرسالة صلى الله عليه وسلم كلها، ووفاها حقها، بَلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم، وجاهد في الله حق جهاده.

«سَمِعَ جَلَبَةَ»؛ يعني: أصواتًا عند بابه صلى الله عليه وسلم، جلبة خَصْم يرفعون أصواتهم، تعرفون النزاع، إذا صار نزاع، ترتفع أصوات المتنازعين ولو من غير قصد، فسَمِع النبي صلى الله عليه وسلم أصواتهم، وأنكر عليهم ذلك، وقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ»، هذا كما قال الله جل وعلا: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ [الكهف: 110].

فهو بشر صلى الله عليه وسلم من أب وأم، وليس مَلَكًا من الملائكة، وليس نورًا؛ كما يقولون: إنه نور وليس بشرًا، كما يقوله الغلاة والمبتدعة الذين


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (2458)، ومسلم رقم (1713) واللفظ له.