«فَلَعَلَّ
بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ»، البلاغة: هي صفة من صفات
المتكلم، يكون بليغًا، ويكون فصيحًا. أو يكون عَيِيًّا، ولا يستطيع الكلام، ولا
يُحْسِن الكلام. هذه منن من الله سبحانه وتعالى.
والبلاغة: هي مطابقة الكلام
لمقتضى الحال.
وهي على قسمين:
إن اسُتغلت في إظهار
الحق وبيان الحق، فهي محمودة.
وإن اسُتغلت في طمس
الحق وإعزاز الباطل، فهي مذمومة.
ولهذا يقول الشاعر:
في زُخرف القول
تزيين لباطله *** والحَقُّ قد يعتريه سُوء تعبيرِ([1])
فالبلاغة إذا كانت
لأجل نصرة الباطل وطمس الحق، فهي مذمومة. أما إذا كانت بالعكس، لنصرة الحق وإظهار
الحق، فهي منحة من الله ونعمة.
فالرسول صلى الله
عليه وسلم خَشِي عليهم من الجانب الثاني، أن يكونوا يستعملون بلاغتهم لأجل أخذ
حقوق الناس، حَذَّرهم من ذلك، وقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ
مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ».
هذا فيه: دليل على أن قضاء القاضي حَسَب الظاهر. وهذا محل الشاهد من الحديث، فيَحكم على نحو ما يسمع. فإن كان فيه شيء خفيّ، فإن هذا في ذمة من أخفاه وكَتَمه، والله هو الذي يتولى
([1]) البيت لابن الرومي. انظر: عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (2/137).