فالحديث نَصَّ على
صفة، ويقاس عليها بقية الأشياء المثيرة؛ كأن يقضي بين الناس وفيه نوم وفيه نُعَاس.
أو يقضي بين الناس وهو مشغول البال في التفكير في أشياء تُهمه. أو يقضي بين الناس
في شدة حر أو في شدة برد، يتأثر بذلك، ويطلب السرعة ليتخلص من الأذى.
فيقاس على الغضب كل
ما كان في معناه من الأشياء التي لا تُمَكِّن القاضي من التروي والاطمئنان.
وكذلك وهو شديد
الجوع، وهو شديد العطش. كل الأشياء التي لا يطمئن فيها، فإنه يُنْهَى عن القضاء
حالها حتى تزول عنه.
وهذا من أجل تحري
العدل بين الناس، واستقصاء الأدلة حول القضية والتروي فيها.
وحتى لو استدعى
الأمر أن يستشير أهل العلم، فإن هذا من المطالب للقاضي؛ ولهذا قال: «يُستحَب أن
يحضر مجلسه فقهاء البلد»، فيستشيرهم؛ لأن كل هذا من التعاون على إصابة الحق.
واليوم - والحمد لله
- القضاء قد نُظم بطريقة يحصل فيها التروي، فالقاضي يَحكم، ويستقبل الاعتراض
فيرفعه إلى التمييز، والتمييز يدرس القضية ويدرس الحكم... وهكذا. فهذا - أيضًا -
من ضبط القضاء، والحمد لله.
نعم، كان القضاة في الزمان السابق لقوة علمهم وإدراكهم؛ ما يحتاجون إلى هذه الإجراءات. لكن لما قَلَّ الفقه وضَعُف إدراك القضاة، جُعل لهم ما يساعدهم ويُعِينهم على التروي وإصابة الحق والتراجع في الأمور.