×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

ولهذا يقول الشاعر([1]):

إذا المرءُ لم يَلْبَس ثيابًا من التُّقى *** تَقَلَّبَ عُريانًا وإن كان كاسيا

 

فلباس التقوى خير من لباس الجسم، مع أن لباس الجسم مطلوب، لكن خير منه لباس التقوى.

وهذا من باب التنبيه من الله جل وعلا بالمناسبة، لما ذَكَر اللباس الحسي، ناسب أن يَذكر اللباس المعنوي.

مثل قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ [البقرة: 197]، تزودوا يعني: للسفر، سفر الحج وغيره، خذوا معكم زادًا، ولا تكونوا عالةً على الناس، تزودوا. ثم نَبَّه على زادٍ أهم، وهو التقوى. لماذا سُميت التقوى زادًا؟ لأنها زادٌ لسفر الآخرة يحتاج إلى زاد، وزاده ليس الطعام والشراب، وإنما زاده التقوى، ﴿فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ [البقرة: 197]، فهذا بالمناسبة، الله جل وعلا لما ذَكَر الشيء، ذَكَر ما يناسبه؛ تنبيهًا على ما هو أهم.

فاللباس نعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده. وكَشْف العورة فاحشة، سماه الله فاحشة بنص الآيات، فإن الآيات نزلت في سورة الأعراف ردًّا على أهل الجاهلية، الذين يطوفون بالبيت وهم عراة، تقربًا إلى الله - بزعمهم -.

﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ [الأعراف: 28]؛ يعني: كشفوا عَوْراتهم، وهذا عند الطواف، ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةٗ قَالُواْ وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ ءَابَآءَنَا [الأعراف: 28] فلا يجوز أن الإنسان يقلد الناس وهم على خطأ، هذا تقليد أعمى، ﴿وَجَدۡنَا عَلَيۡهَآ


الشرح

([1]) البيت لشاعر الزهد أبي العتاهية. انظر: فتح الباري لابن رجب (1/ 100).