والله جل وعلا يقول:
﴿وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا
فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ﴾ [الرعد: 26]، ويقول جل وعلا: ﴿قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ
ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: 77].
فهذا فيه: بيان فضل الجهاد،
وأن موضع سوط المجاهد خير من الدنيا وما فيها.
وفيه: بيان أن الجنة
عظيمة لا تحيط بها العقول.
وفيه: حقارة الدنيا أنها
لا تساوي أقل القليل مما في الجنة.
والثالثة: «وَالرَّوْحَةُ
يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللهِ -أَوِالْغَدْوَةُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا
وَمَا عَلَيْهَا»، الروحة والغدوة في سبيل الله. الرَّوْحة: هي
الذَّهاب للجهاد في آخر النهار في الرَّواح. والغَدْوة: هي الذَّهاب للجهاد
في سبيل الله في أول النهار.
وقد مر بنا أن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار؛ يؤجل القتال إلى آخر
النهار. في الغُدو وهو الصباح، والرواح وهو المساء.
والغَدوة زمن قليل،
والروحة زمن قليل. إذا أمضى المسلم هذا الوقت القليل في الجهاد في سبيل الله، فهذا
خير من الدنيا وجميع ما فيها، فما بالك بالذي يُمْضِي وقتًا طويلاً في الجهاد في
سبيل الله عز وجل ؟!
وفي الحديث الثاني: أن الله سبحانه وتعالى انتدب؛ يعني: ضَمِن للمجاهد. وفي رواية مسلم: «تَضَمَّنَ»، انتدب معناها: تَضَمَّن. فـ«انتدب الله» معناه: تَضَمَّن الله. الرواية الثانية تفسر الرواية الأولى.