×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

وَلِمُسْلِمٍ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ - كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ إِنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»([1]).

*****

الدنيا أموات، لكنهم في الآخرة أحياء. أما غيرهم فيموت ويوضع في القبر ويبقى في القبر إلى أن يبعثه الله، وتعاد رُوحه إليه يوم النفخ في الصور ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ[الزمر: 68].

فهذه حياة برزخية، ليست كحياته في الدنيا؛ ولذلك لا يُطلب منه شيء، ولا تبقى أمواله ولا تبقى امرأته زوجًا له، بل تُزَوَّج من غيره. فأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، وهي حياة تختلف عن الحياة في الدنيا.

«أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ»؛ يعني: أن الله يحفظه، رغم ما تَعَرَّض له من الأخطار والسلاح وملاقاة العدو، فإنه إذا لم يُقَدِّر الله أنه يُقتل فإن الله يحفظه، ويَرُده إلى أهله وأولاده سالمًا ومعافى، مع ما له من الأجر عند الله، أجر الجهاد والغنيمة.

«نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ»، قالوا: «أَوْ» بمعنى الواو، أي: نائلاً ما نال من أجر وغنيمة، وليس معناه: أن من نال غنيمة أنها تكفيه عن الأجر، بل هي ثواب عاجل، وما عند الله له خير من الغنيمة.

 

 هذا كالحديث الذي قبله؛ أن الله تَكَفَّل للمجاهد أنه إن توفاه - إما بالقتل، أو بالموت في سبيل الله - أنه يُدخله الجنة؛ لأنه قَصَد ذلك، قَصَد ثواب الله عز وجل، فإنه إن فاتت عليه الحياة الدنيا فإن الله


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (2787).