×
شرح عمدة الأحكام من كلام خير الأنام مما اتفق عليه الشيخان الجزء الثاني

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جَمَعَ اللهُ عز وجل الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ»([1]).

*****

 هذا فيه: تحريم الغدر والخيانة عمومًا وفي الجهاد خصوصًا.

فالمسلم لا يَغدِر؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يوصي جيوشه بألا يغدروا بالعهود، فالمُعاهَد لا يجوز الغدر به، قال تعالى: ﴿فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ[التوبة: 7].

لا يجوز الغدر بالعهود مع أحد، وإن كان كافرًا، فإننا نفي بعهدنا له، فإذا صالحناه على ترك القتال فإنه لا يجوز لنا قتاله ما دام أنه مستقيم على العهد.

ولا يجوز قتل أحد من الكفار المُعاهَدين والمُستأمَنين والذميين؛ كما يفعله بعض مَن يَدَّعُون الجهاد الآن، ويَقتلون الكفار الذين جاءوا بالأمان، دخلوا بلاد المسلمين بإذن من ولي الأمر، أو بإذن من مسلم.

حتى أفراد المسلمين لهم أن يُعْطُوا الأمان. أما العهد والصلح فهذا لا يجوز إلاَّ من الإمام. أما الأمان فيجوز من أفراد المسلمين؛ ولذلك أَمَّن النبي صلى الله عليه وسلم مَن أَمَّنَتْه بنت عمه أبي طالب، أم هانئ بنت أبي طالب، في غزوة الفتح، أَمَّنَتْ رجلاً من المشركين، فأراد عليّ رضي الله عنه أن يقتله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ»([2]).


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (6177)، ومسلم رقم (1735).

([2]) أخرجه: البخاري رقم (357)، ومسلم بنحوه (336).