فليصم لسانه أيضًا عن
الكلام المحرم، وليصم نظره عن النظر المحرم، وليصم سمعه عن سماع المحرم، فيصوم بكل
جوارحه وأعضائه وعن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، والصائم محرَّم عليه شيئان: شيء
يحرم بالصيام فقط، ويباح في غير الصيام؛ كالأكل والشرب وتناول ما أحل الله، هذا
يحرم عليه في فترة الصيام فقط. ويحرم عليه أشياء كانت محرمة من قبل، ولكن يزيد
تحريمها في حقه ما دام صائمًا، وهي سائر المعاصي والمحرمات، فهي حرام على الصائم
وعلى غير الصائم، ولكنها في حق الصائم أشد تحريمًا؛ لأنها مع كونها محرمة ومؤثمة،
فهي تؤثر على صيامه، وتبطل ثوابه عند الله عز وجل، إضافة على تحريمها وتأثيمها
المستمر في طول الدهر.
فعلى الصائم أن يتذكر هذه الأمور، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كف لسانه عن الحرام، حتى ولو أن أحدًا تكلم عليه وسبه وشتمه فإنه لا يرد عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «فإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُل: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» ([1]). قيل: معنى هذا أنه ينطق ويقول: إني صائم؛ ليسمع الخصم أنه صائم؛ يعني: ولولا أني صائم لرددت عليك. وقيل: إنه يقول ذلك بقلبه وبنفسه، فيتذكر أنه صائم، فيحبس لسانه عن الرد على من شتمه أو سابه، وإن كان الرد بالمثل جائزًا؛ لأنه من باب القصاص، ولكن الصائم يمتنع منها؛ لأن ذلك يؤثر على صيامه، فإذا كان هذا في حق مَن سابه أحد أو شاتمه أنه لا يرد على الساب والشاتم، فكيف بالذي يبدأ الناس هو، ويعتدي عليهم بالسب والشتم، والغيبة والنميمة؟!
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1894)، ومسلم رقم (1151).