بأن يستعين بها على طاعة
الله، فالله جل وعلا جعل الدنيا وما فيها لعباده المؤمنين:﴿قُلۡ مَنۡ
حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ
قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ﴾[الأعراف: 32]،﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الجاثية: 13]﴿خَلَقَ
لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[البقرة: 29].
لكن ليس معناه أنك تشتغل بها وتنسى الآخرة؛ بل معناه أنك تشتغل بها ناويًا
الاستعانة بها على طاعة الله عز وجل، فالذي يستخدم الدنيا ويشغل الدنيا بمصالح
دينه ودنياه، هذا هو الرابح. والذي تشغله الدنيا وتكون همه، فهذا كما قال الله جل
وعلا:﴿وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا
وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ﴾ [الرعد: 26].
فهذا هو الفرق بين من يستفيد من الدنيا، ومن يخسر، فالدنيا لا تذم لذاتها،
وإنما يذم تصرف ابن آدم فيها، فمحل الذم والمدح هو تصرف الإنسان، أما الدنيا فإنها
مواد مسخرة يستعملها الإنسان في الخير، ويستعملها في الشر؛ فالسلاح مثلاً: يستعمله
المؤمن بالجهاد في سبيل الله، وإعلاء كلمة الله، وكسر العدو في الأرض، ويستعمله
الكافر للتسلط على الناس، والعدوان والظلم والبغي، وهو سلاح واحد، لكن العبرة
بالاستعمال، كذلك بقية أمور الدنيا، فالذي يذم ويمدح هو تصرف هذا الإنسان.
والجنة تُبْنى بالذِّكر؛ بالتسبيح والتهليل والتكبير، وتغرس أشجارها بالذكر، فهذا يدل على أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة، كما يقول أهل العلم: «الدنيا مزرعة للآخرة»، وبعضهم يقول: الدنيا مطية للآخرة. والكلام صحيح، هي مزرعة، وهي مطية، فمن الناس من يزرع الشوك والأشياء الضارة والحنظل.