·
والنَّاس
في باب الوَلاء والبَراء على أقسام:
القسم
الأول: منهم من يرى أن الوَلاء والبَراء معناه أننا نقاطع
الكفَّار نهائيًّا، فلا نتعاهد مَعهُم، ولا نتصالح مَعهُم، ولا نقبل التَّفاوض مَعهُم،
ولا نقبل إتيان المندوبين والسفراء منهم للتفاهم معنا؛ لأن هذا عندهم المُوالاَة.
والحق:
أن هذا ليس من المُوالاَة، لكن هَؤُلاءِ يجهلون هذه المسْأَلة، وهذا غلوٌّ في
الوَلاء والبَراء، وهو خلاف ما دَلَّ عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فإن النَّبي صلى الله عليه وسلم تصالح مع المُشْركين، وكان عليه الصلاة
والسلام يبيع ويشتري مع اليَهُود، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند
يهودي بطعام اشتراه لأهله ([1])،
والنَّبي صلى الله عليه وسلم عقد العهد مَعهُم في المَدينَة وما قاتلهم حتَّى
خانوا العهد ([2])،
ولو وفوا بالعهد لوَفَّى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لهم، وليس هذا من
المُوالاَة، ولكن الذين عندهم غلو أو جهل يَقولُون: هذا من المُوالاَة. ومعنى
قولهم هذا أننا لا نتعامل مَعهُم بشيء أبدًا ولا نتصالح مَعهُم، وهذا ليس من
الدِّين.
كذلك نُحسن إلى من أحسن إلينا من الكفَّار؛ كما قال تعَالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، وهذا مِن بَابِ المقابلة والمكافأة على الإحسان وليس مِن بَابِ المحبَّة، ولا مانع أن يتألفهم وَلِي الأَمْر إذا خشي على المُسْلمين من شرِّهم، يتألفهم ويعطيهم شيئًا من المَال لأجل دفع شرهم، حتَّى إن الكَافِر المُؤَلَّف يُعطى من الزَّكاة؛
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2916)، ومسلم رقم (1603).
الصفحة 1 / 207