×

الدَّلِيل الثَّاني عشر: قوله تعَالى: ﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ [الأعراف: 175]، وهذه الآية نزلت في عالمٍ عابدٍ في زمان بني إِسرَائيل، يقال له: بَلْعَام، وكان يعلم الاسم الأعظم.

قال ابن أبي طلحة عن ابن عبَّاس رضي اللع عنهما : لما نزل بهم مُوسَى يعني بالجبارين أتاه بنو عمه وقومه، فقالوا: إن موسى عليه السلام رجلٌ حديد، ومعه جنود كَثِيرة، وإنه إن يظهر علينا يُهلكنا، فادع الله أن يردَّ عنا مُوسَى ومن معه. قال: إني إن دعوت ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتَّى دعا عليهم، فسلخه الله مما كان عليه، فذلك قوله تعَالى: ﴿فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ [الأعراف: 175]. وقال ابن زيد: كان هواه مع القوم، يعني الذين حاربوا مُوسَى وقومه.

فذكر تعَالى أمر هذا المنسلخ من آيَات اللهِ بعد أن أعطاه الله إياها، وعرفها وصار من أهلها، ثم انسلخ منها، أي: ترك العَمَل بها، وذكر في انسلاخه منها ما معناه أنه مظاهرةُ المُشْركين ومعاونتهم برأيه، والدُّعاء على مُوسَى عله السلام  ومن معه أن يردهم الله عن قومه، خَوْفًا على قومه وشفقة عليهم، مع كونه يعرف الحق، ويشهد به، ويتعبَّد، ولكن صده عن العَمَل به متابعة قومه وعشيرته وهواه، وإخلاده إلى الأَرْض، فكان هذا انسلاخًا من آيَات اللهِ.

وهذا هو الواقع من هَؤُلاءِ المُرتَدِّين وأعظم، فإن الله أعطاهم آياته التي فيها الأَمر بتوحيده، ودعوته وحده لا شريك له، والنَّهي عن الشِّرك به ودَعْوة غيره، والأَمر بموالاة المُؤْمِنين ومحبتهم


الشرح