الدَّلِيل السابع عشر: قوله تعَالى: ﴿إِنَّ
ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَى
ٱلشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ ٢٥ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ
كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ ٱلۡأَمۡرِۖ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ
إِسۡرَارَهُمۡ ٢٦فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ
وَأَدۡبَٰرَهُمۡ ٢٧ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ
رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٢٨﴾ [مُحمَّد: 25-
28]، فذكر تعَالى عن المُرتَدِّين على أدبارهم أنهم من بعد ما تبين لهم الهدى
ارتدُّوا على علم، ولم ينفعهم علمهم بالحق مع الرِّدَّة، وغرَّهم الشَّيطَان
بتسويله وتزيين ما ارتكبوه من الرِّدَّة.
وهكذا حال
هَؤُلاءِ المُرتَدِّين في هذه الفِتنَة، غرَّهم الشَّيطَان وأوهمهم أنَّ الخَوْف
عذر لهم في الرِّدَّة، وأنهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما
فعلوه، ونسوا أنَّ كَثِيرًا من المُشْركين يعرفون الحق ويحبونه ويشهدون به، ولكن
يتركون متابعته والعَمَل به محبَّة للدنيا، وخَوْفًا على الأنفس، والأموال
والمآكل، والرئاسات.
****
قوله تعَالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم﴾
[مُحمَّد: 25] يعني: ارتدوا عن الدِّين، فالارتداد عن الدِّين ارتدادٌ على
الأدبار، كأن يمشي على وجهه مُتَّجهًا إلى الجنة فارتدّ على دُبُرِه مُتَّجهًا إلى
النَّار والعِيَاذ باللهِ ﴿مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ ٱلۡهُدَى﴾ [مُحمَّد: 25] أي: ليس ذلك عن جهل، وإنما هو بعدما
تبيَّن لهم الهدى، وعرفوه وهذا فيه دليلٌ على أن الجاهل يُعذر إلى أن يزول جهله.
الصفحة 1 / 207