الدَّليل الثالث: قوله تبارك وتعالى: ﴿لَّا
يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ
وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ
مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ﴾ [آل عمران: 28].
فنهى المُؤْمِنين
عن اتخاذ الكَافِرين أَوليَاء وأصدقاء وأصحابًا من دون المُؤْمِنين، وإن كانوا
خَائِفين منهم، وأخبر أن من فعل ذلك: ﴿فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ
فِي شَيۡءٍ﴾ [آل عمران: 28] أي: لا يكون من أَوليَاء الله
الموعودين بالنَّجاة في الآخِرَة ﴿إِلَّآ
أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ﴾ [آل عمران: 28]، وهو أن يكون الإِنْسَان مقهورًا
مَعهُم، لا يقدر على عداوتهم. فيظهر لهم المعاشرة، والقلب مطمئن بالبَغضَاء
والعَداوَة، وانتظار زوال المانع. فإذا زال رجع إلى العَداوَة والبَغضَاء. فكيف
بمن اتخذهم أَوليَاء من دون المُؤْمِنين من غير عُذْر، إلا استحباب الحَيَاة
الدُّنيا على الآخِرَة، والخَوْف من المُشْركين وعدم الخَوْف من الله، فما جعل
الله الخَوْف منهم عذرًا؛ بل قال تعَالى: ﴿إِنَّمَا
ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ
إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].
****
قوله تعَالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ﴾
[آل عمران: 28] هذه ﴿لَّا﴾ الناهية، ولذلك جزمت الفعل﴿يَتَّخِذِ﴾
كُسر تخلُّصًا من التقاء الساكنين، أصلها «لا يتخذْ» بالسكون ولما كان يلتقي ساكن
مع ساكن حُرِّكت الذال المجزومة بالكسرة تخلُّصًا من التقاء الساكنين ﴿ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ أي أَهل الإِيمَان والإِسْلام ﴿ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾
وهم الذين كفروا بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وأبَوْا أن يدخلوا في
الإِسْلام عِنادًا واستكبارًا وحسدًا وغير ذلك من مقاصدهم التي صدَّتهم عن
الإِيمَان، فالله جل وعلا نهى المُؤْمِنين عن اتخاذ
الصفحة 1 / 207