الدَّلِيل السادس: قوله تعَالى: ﴿إِنَّ
ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ﴾ [النساء: 97]،
أي: في أي فريق كنتم، أفي فريق المُسْلمين أم في فريق المُشْركين؟ فاعتذروا عن
كونهم ليسوا في فريق المُسْلمين: بالاسْتضْعَاف، فلم تعذُرهم المَلائكَة، وقالوا
لهم: ّ ِ ﴿قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ
ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ
وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97].
ولا يشك عاقلٌ: أن
أهل البلدان الذين خَرجُوا عن المُسْلمين، صاروا مع المُشْركين وفي فريقهم
وجماعتهم، هذا مع أن الآية نزلت: في أناس من أهل مكَّة، أسلموا، واحتبسوا عن
الهِجرَة، فلما خرج المُشْركون إلى بَدْر أكرهوهم على الخروج مَعهُم، فخَرجُوا
خَائِفين، فقتلهم المُسلِمُون يوم بدر، فلما علموا بقتلهم تأسفوا، وقالوا: قتلنا
إخواننا. فأنزل الله فيهم هذه الآية ([1]).
فكيف بأهل البلدان: الذين كانوا على الإِسْلام، فخلعوا رِبْقَته من أعناقهم، وأظهروا لأهل الشِّرك المُوافقَة على دينهم، ودخلوا في طاعتهم، وآووهم ونصروهم، وخذلوا أهل التَّوحِيد، واتبعوا غير سبيلهم، وخطئوهم، وظهر فيهم: سب المُسْلمين وشتمهم، وعيبهم، والاستهزاء بهم، وتسفيه رأيهم في ثباتهم على التَّوحِيد والصبر عليه، وعلى الجِهَاد فيه وأعانوا العَدُو على أَهل التَّوحِيد طَوعًا لا كَرهًا، واختيارًا لا اضطرارًا.
الصفحة 1 / 207