ونصرتهم، والاعتصام بحبل
الله جميعًا، والكون مع المُؤْمِنين، والأَمر بمعاداة المُشْركين، وبغضهم
وجِهَادهم وفراقهم، والأَمر بهدم الأَوثَان، وإزالة القحاب([1]) واللواط
والمنكرات، فعرفوها وأقرُّوا بها، ثم انسلخوا من ذلك كله، فهم أولى بالانسلاخ من
آيَات اللهِ والكُفْر والرِّدَّة من بَلْعَام، أو هم مثله.
****
ذكر في هذا الدَّلِيل قصة ذلك العالم من بني إِسرَائيل، وقد كان مجاب الدَعْوة؛ لأنه يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِي به أجاب، فكان عابدًا عالمًا مجاب الدَعْوة، يقال له: بَلْعَام بن بَاعُورَاء، وكان من بني إِسرَائيل إلا أنه مقيم بأرض الجبارين، فلما غزا مُوسَى عليه السلام وبنو إِسرَائيل بيت المقدس يريدون فتحه واستعادته من المُشْركين الكنعانيين والعماليق، فخاف المُشْركون من مُوسَى خَوْفا شديدًا، وطلبوا من بَلْعَام أن يدعو الله على مُوسَى ومن معه من المُسْلمين؛ لأنه مجاب الدَعْوة، فأبى وقال: «إني إن دعوت الله أن يرد مُوسَى ومن معه مضت دنياي وآخرتي»، فأهدوا إليه هدية فقبلها، فراجعوه ولم يزالوا به حتَّى دعا على مُوسَى ومن معه، فأخزاه الله جل وعلا وسلب منه النِّعمَة، قال تعَالى: ﴿وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ١٧٥وَلَوۡ شِئۡنَالَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦﴾ [الأعراف: 175، 176]، يعني: بالآيات ﴿وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ
([1]) أصل (القحاب) فساد الجوف، وقيل: (القحاب) هو سعال الخيل والإبل وربما جُعل للناس، وقيل للبغي: قحبة؛ لأنها كانت في الجاهلية تُؤْذن طلابها بقحابها وهو سعالها، وقيل: (القحبة) الفاجرة، وأصلها من السعال، أرادوا أنها تسعل أو تتنحنح ترمز به. انظر: ((لسان العرب)) (1/661، 662)، و((المصباح المنير)) (2/490، 491).