قال رحمه الله: فأخبر تعَالى: أن الكفَّار لا
يزالون يقاتلون المُسْلمين حتَّى يردُّوهم عن دينهم إن استطاعوا، ولم يرخص في
موافقتهم خَوْفًا على النَّفس والمَال والحرمة، بل أخبر عمن وافقهم بعد أن قاتلوه
ليدفع شرهم أنه مرتد، فإن مات على رِدته بعد أن قاتله المُشْركون، فإنه من أهل
النَّار الخالدِين فيها، فكيف بمن وافقهم من غير قتال؟! فإذا كان من وافقهم بعد أن
قاتلوه، لا عُذْرَ له، عرفت أن الذين يأتون إليهم ويسارعون في المُوافقَة لهم من
غير خَوْف ولا قتال، أنهم أولى بعدم العذر، وأنهم كفار مرتدون.
****
قوله:
«إن استطاعوا» أي لكن لن يستطيعوا،
وهذا تيئيس لهم من ترك جميع المُسْلمين دينهم فالمُسلِمُون لا يزال فيهم من يتمسك
بهذا الدِّين على مرِّ الزمان.
قوله:
«ولم يرخص في موافقتهم»، مُوافقَة
الكفَّار فيها تفصيل على النحو التالي:
أولاً:
مُوافقَة الكفَّار على التَّنَازل عن شيء من ديننا، هذا يسمى بالمُداهنَة قال
تعَالى: ﴿وَدُّواْ
لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ﴾
[القلم: 9]، فطاعة الكفَّار أو مُوافقَة الكفَّار على ترك شيء من ديننا إرضاءً لهم
هذه مُداهنَة محرمة وقال تعَالى: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ
إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا ٧٣وَلَوۡلَآ
أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡٔٗا قَلِيلًا ٧٤﴾ [الإسراء: 73، 74]، وقال تعَالى: ﴿أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ﴾[الواقعة: 81] يعني القُرْآن﴿أَنتُم مُّدۡهِنُونَ﴾
[الواقعة: 81]، ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ
أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ
فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ