دَعْوة التَّوحِيد، وعرفوا الحق، وعاشوا في نعمة
ورخاء تحت حكم إسلاميٍّ، فلما جاء الأَعدَاء انضموا إليهم وتركوا المُسْلمين،
وصاروا مع عباد القُبُور بعدما كانوا مع الموحِّدين.
قوله:
«كيف خَرجُوا عن ولاية رب العَالَمِين،
وخير الناصرين إلى ولاية القِبَاب وأهلها»، أي: صاروا مع عبدة القِبَاب
والأَضرِحَة والقُبُور، وصاروا يثنون عليهم ويصاحبونهم ويؤيدونهم على المُسْلمين،
انضموا إليهم وإلى جيشهم، هذا حصل والعِيَاذ باللهِ، فالشدائد إذا جاءت تميز
المُؤْمِن الصَّادق من المنافق وضعيف الإِيمَان.
والمراد
بـ «القِبَاب» البنيان الذي على
القُبُور التي يَعبُدونها من دون الله، وهذا موجود ومستمر إلى الآن في كَثِيرٍ من
البِلاَد، جعلوا قبابًا على القُبُور، وصاروا يطوفون بها ويتَقرَّبون إلى الموتى
بالذبائح والنذور والاستغاثة وبجميع أَنوَاع العِبَادَة والعِيَاذ باللهِ.
والمُسلِمُون
- ولله الحمد - ثبتوا وأصابهم ما أصابهم، لكن الله أعاد لهم الكَرَّة، وعادت
دولتهم ودعوتهم - والحمد لله - ولا تزال، فما حصل للكَافِرين أو للقُبُورين طلبهم،
ولا مَحَوْا الدَعْوة ولا أزالوها؛ لأنها دَعْوة حقٍّ، والله جل وعلا يقول: ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ
فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ [الرعد: 17]، فلو كانت دَعْوة دنيا أو دَعْوة رئاسة أو
ملك لزالت من أول عاصفة، ولكن لما كانت دَعْوة حق وصدقٍ ما ضرها ما جرى على أهلها،
بل عادت كما كانت ولا تزال ولله الحمد.
الصفحة 6 / 207