ثانيًا:
لو فرضنا أنهم خَوْفوكم لم يجز لكم أن تطيعوهم؛ لأن الله جل وعلا يقول: ﴿إِنَّمَا
ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ
إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾
[آل عمران: 175].
قوله:
«وأَيضًا: فما جعل الله الخَوْف عذرًا في
اتباع ما يسخطه، واجتناب ما يرضيه» أي: ما لم يصل الخَوْف إلى حدِّ الإِكرَاه،
فحينئذٍ الإِكرَاه يُدفع مع طمأنينة القلب ﴿إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ﴾ [النحل: 106]، ولكن هَؤُلاءِ ما أُكرهوا، فبمجرد أن
الكَافِرين يعرضون خطة يبادرون بتنفيذها والاستجابة لها دون معارضة.
قوله:
«وكَثِيرا من أهل البَاطِل: إنما يتركون
الحق خَوْفا من زوال دنياهم» وكان المفروض العكس حيث إنهم يتركون دنياهم
خَوْفًا على دينهم؛ لأن الدُّنيا زائلة، والدُّنيا إذا زالت يعوض الله عنها؛ لأن
الرزق بيد الله، لكن الدِّين إذا زال ما الذي يعوضه؟
وما
أحسن قول القائل:
وكل كسر فإن الدِّين يجبره **** وما لكسر قناة الدين
جبران
إذا زال الدِّين ماذا يبقى؟ لو تعطى الدُّنيا
كلها فإنها لا تنفعك، أما إذا بقي معك الدِّين ولو زالت الدُّنيا كلها ما ضرك شيء
بإذن الله.
قوله:
«وإلا فيعرفون الحق ويعتقدونه، ولم يكونوا
بذلك مسلمين» لا يكفي أنه يعرف الحق ويعتقده، بل لا بُدَّ من الالتزام به وعدم
التَّنَازل عنه.
الصفحة 6 / 207