×

 ولم يكن لهم عذر في بقائهم مَعهُم؛ لأنهم السَّبب في ترك الهِجرَة، وهم السَّبب في تسلُّط المُشْركين عليهم، فلم يعذرهم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم تركوا الهِجرَة وهم يستطيعونها، فتوعدهم الله بهذا الوَعِيد، فدل على أن من أقام بين أظهر المُشْركين، وكَثَّر سوادهم، وعمل أعمالهم وشاركهم، أن عليه خطرًا عظيمًا في دينه: إما بالرِّدَّة، وإما بالوَعِيد الشَّدِيد عليه.

قوله: «فاعتذروا عن كونهم ليسوا في فريق المُسْلمين: بالاسْتضْعَاف» وهم السَّبب في الاسْتضْعَاف، وما كانوا مُستَضعَفِين من غير سبب منهم.

قوله: «فلم تعذرهم المَلائكَة»؛ لأنهم السَّبب في اسْتضْعَافهم ببقائهم مع الكفَّار، وهم يقدرون على الهِجرَة، والهِجرَة باقية إلى أن تقوم السَّاعة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ([1])، فالهِجرَة باقية إلى أن تقوم السَّاعة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» ([2]) فهذا في الهِجرَة من مكَّة، أي: لا هجرة من مكَّة إلى المَدينَة؛ لأنها بعد الفتح صارت دار إسلام، فمن أراد أن يبقى فيها بعد الفتح فليبق.

قوله: «وقالوا لهم: ﴿أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ [النساء: 97] » ما أجابوا عن هذا؛ لأنهم يعْتَرِفون بأنهم تركوا أرض الله الواسعة ولم يهاجروا، والله جل وعلا يقول: ﴿يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّٰيَ


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (2479)، وأحمد رقم (16906)، والدارمي رقم (255).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (2783)، ومسلم رقم (1353).