فَٱعۡبُدُونِ﴾
[العنكبوت: 56]، ويقول سُبحَانَه: ﴿وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ
مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ﴾
[النساء: 100]، يجد فيها سعة لم يضيق الله جل وعلا عليه بحيث يبقى مع الكفَّار، بل
الأَرْض واسعة.
قوله:
«ولا يشك عاقل: أن أهل البلدان الذين
خَرجُوا عن المُسْلمين» هذا تعليق من الشَّيخ رحمه الله على الواقعة التي حصلت
في وقته، وهي أشد من حالة هَؤُلاءِ المذكورين في الآية؛ لأن هَؤُلاءِ بقوا في
مكَّة مع الكفَّار، والذين في وقته هم الذين أعانوا الأَعدَاء وجلبوهم إلى بِلاَد
المُسْلمين، حملوهم على دوابهم ودلوهم على الطَّريق وبيَّنوا لهم أسرار المُسْلمين
حتَّى تَمكَّنُوا من المُسْلمين، فأي حال هذه؟ هذه أشد من حالة أولئك الذين قتلوا
في بدر مع الكفَّار؛ لأن هَؤُلاءِ ما كانوا مع الكفَّار، كانوا مع المُسْلمين، وفي
بِلاَد المُسْلمين، ويظهرون التَّوحِيد، فلما جاء العَدُو انضموا إليه، وصاروا
يساعدونه، ويحملون ذخائره وأمتعته ويدلونه على الطَّريق، ويعلمونه بأسرار
المُسْلمين، فهذا أشد من حالة أولئك الذين ذكرهم الله في هذه الآية.
قوله:
«صاروا مع المُشْركين وفي فريقهم وجماعتهم»
لما حصلت النكبة على أهل الإِسْلام في هذه البِلاَد - في وقت الشَّيخ رحمه الله -
انضم إلى العَدُو كَثِير ممن كانوا يُصَلُّون مع المُسْلمين ويجاهدون مَعهُم، فلما
جاء العَدُو انكشف أمرهم، فهل يشك أحد في حكم هَؤُلاءِ والعِيَاذ باللهِ؟! والمراد
بـ «المُشْركين» هنا القُبُوريون
الذين يبنون القِبَاب على القُبُور، ويطوفون بها، وينذرون لها، ويذبحون لها،
ويستغيثون بها