لذلك حرّمها الله جل وعلا وقد كانوا في
الجَاهِليَّة يأكلون المَيتَة، فلما حرّمها الله جادل ناسٌ من المُشْركين في
تَحرِيمها، وكان لهم أصدقاء من المَجُوس فأسروا إليهم هذه الفكرة الخبيثة أن الله
هو الذي ذَكَّى المَيتَة، وأما المذبوحة فأنتم الذين ذكيتموها، فكيف تستحلون ما
ذكيتم أنتم وتحرمون ما ذَكَّى الله؟ هذه شبهتهم.
ف
قوله: ﴿وَإِنَّ
ٱلشَّيَٰطِينَ﴾ [الأنعام: 121] أي: شياطين
بني آدم من كفار فارس؛ لأن الشَّيطَان من الجن ويكون من الإنس، ﴿لَيُوحُونَ﴾ [الأنعام: 121] يسرِّون ﴿إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ﴾
[الأنعام: 121] الذين يوالونهم من ضعاف الإِيمَان ومن المُنَافقِين بهذه الشبهة، ﴿لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ﴾ [الأنعام: 121] يَقولُون: المَيتَة ذكاها الله، وأما
المذبوحة فأنتم الذين ذكيتموها، فكيف تُحرمون ما ذكاه الله وتحلون ما ذكيتم؟
والإِنْسَان الذي ليس عنده علم تنطلي عليه هذه الشبهة، ولذا قال تعَالى: ﴿وَإِنۡ
أَطَعۡتُمُوهُمۡ﴾ [الأنعام:
121] أي: استبحتم المَيتَة لهذه الشبهة وعصيتم الله عز وجل ﴿إِنَّكُمۡ
لَمُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121]، وهذا من
الشِّرك في الطَّاعة.
فدلّ
على أن من أطاع من استَحل ما حرَّم اللهُ فقد أشرك؛ لأن التَّحلِيل والتَّحرِيم
حقٌّ لله جل وعلا لا يَجُوز لأحدٍ أن يحلل ويحرم من عنده، فمَن حلّل أو حرّم من
عنده، فقد اتخذ نفسه شريكًا لله عز وجل ولهذا قال جل وعلا في النَّصارَى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ
أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 31].